أحد صفحات التقدم العلمي للنشر
اكتشافاتتعليق

إليكم ما يحدث في دماغكم عندما تواجهون حالة من عدم اليقين

تنطلق سلسلة معقدة من العمليات الكيميائية في المادة الرمادية في دماغنا عندما تكون النتائج غير واضحة

بمَ تشعر عندما تسمع كلمة ’عدم اليقين‘ Uncertainty؟ هل تشعر بالخوف أو بالقلق أو بالانفعال أو بأنك تواجه تحديات؟ لدينا نحن البشر انقسام في الاحتياجات؛ نحتاج من جهة إلى الشعور بالأمان والاستقرار وأن يكون لدينا بعض الروتين، ومن جهة ثانية إلى التنوع والفرص الجديدة. تحمل لنا الحياة كلاً من عدم اليقين والتغيير، وهذا ينطبق على السنوات الثلاث الماضية على نحو أكبر. مع استمرار عديد من التحديات العالمية، من المحتمل أن نتجه نحو مزيد من المجهول، لذلك فإنه يجدر بنا أن نعتاد إدارتها.

إذن كيف نكتشف عدم اليقين وأي جزء من الدماغ مسؤول عنه؟ وجد باحثون أن النورأدرينالين Noradrenaline هو المادة الكيميائية الرئيسة المشارِكة في استجابتنا لعدم اليقين. النورأدرينالين هو معدِّل عصبي Neuromodulator، مما يعني أنه يعمل داخل الدماغ للتأثير في الإشارات المثبطة Inhibitory أو المثيرة Excitatory التي تتلقاها خلايا الدماغ.

لدراسة الدور الذي يؤديه النورأدرينالين عندما نواجه أحداثاً غير مؤكدة، أجرى علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT تجربة مثيرة للاهتمام على الفئران. أمكن تدريب الحيوانات على دفع رافعة إلى الأسفل عندما تسمع ضوضاء عالية التردد. إذا فعلت هذا، فإنها تُكافَأ بشربة ماء. وتدربت أيضاً على أنها ستحصل على نفخة غير سارة من الهواء إذا ضغطت الرافعة عند تشغيل ضوضاء منخفضة التردد. إنه أمر بسيط بما فيه الكفاية. لكن الباحثين أضافوا عنصر عدم اليقين، من خلال تضمين التجربة صوتاً تردده غير واضح.

من خلال هذه التجربة، اكتشف الباحثون أن جزءاً صغيراً من جذع الدماغ يسمى نواة الموضع الأزرق Locus coeruleus  – وهي منطقة تعدِّل النورأدرينالين – كان اًأساسيا في رصد حالة عدم اليقين. عندما كان التردد العالي واضحاً وكانت الفئران تتوقع المكافأة، كانت كمية النورأدرينالين المُفرَزة صغيرة. ولكن عندما لم تكن النتيجة واضحة، وكانت المكافأة مفاجأة، كان الإفراز أكبر بكثير. على سبيل المثال، عندما تلقى فأر نفخة من الهواء بدلاً من المكافأة التي كان يتوقعها، أرسل الموضع الأزرق دفعة كبيرة من النورأدرينالين. بمرور الوقت قل احتمال أن تبادر الفئران وتتصرف بضغط الرافعة إلى الأسفل عندما كانت المكافأة غير مؤكدة. قال الباحثون إن الفئران كانت تعمل باستمرار على تعديل سلوكها اعتماداً على ما خبرته في السابق.

استنتاج الدراسة: لقد تعلمت أدمغتها التعامل مع مستويات مختلفة من عدم اليقين، وأن دور نواة الموضع الأزرق قد يكون أساسياً في هذه العملية. 

أضافت دراسة أُجريت على البشر في جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندنUniversity College London معدِّلين عصبيين آخرين هما: الأسيتيل كولين Acetylcholine والدوبامينDopamine ، إلى قائمة المواد الكيميائية المعروفة بأنها تنظم رد فعلنا على حالة عدم اليقين. بعد إجراء تجربة طُلب خلالها من المشاركين توقُّع تسلسل رموز معينة، اكتشفوا أن الأسيتيل كولين يساعدنا على التكيف مع الكيفية التي تتغير وفقها بيئتنا وأن الدوبامين يحفزنا على التصرف.

عند اتخاذ أي قرار في حال عدم اليقين، تكون هناك موازنة بين المخاطر والخسارة. في حين أن هذه المواد الكيميائية تكمن وراء الآلية التي تحدد كيف نكتشف ونتكيف ونتصرف، هناك أيضاً عملية تحدث في منطقة معينة من الدماغ، هي قشرة الفص الجبهي الداخلية Inner prefrontal cortex والتي لها تأثير كبير في قدرتنا على اتخاذ القرارات.

وجد علماء أن هذه المنطقة تملي سلوكنا الإرادي عندما نتعرض لضغوط. إذ اكتشفوا أن الخلايا العصبية في قشرة الفص الجبهي قد ثبت أنها تستجيب للخسارة (نتيجة سلبية) أكثر من استجابتها للكسب (نتيجة المكافأة) عندما جعلوا مشاركين يلعبون لعبة حاسوب تنطوي على مخاطر وفرص. إذا خسر أحدهم اللعبة، أثار ذلك استجابة في الحُصين Hippocampus – وهي منطقة دماغية تشارك في عمليات الذاكرة ومشاعر القلق – وصار اللاعب أكثر عزوفاً عن المخاطرة. هذا مفيد في فهم إحجامنا في الحياة عن تعريض أنفسنا لعدم اليقين وكيف نتجنب أحياناً اتخاذ قرارات مهمة.

“الاستجابات المعرفية والعاطفية لعدم اليقين هي عملية طبيعية”

تؤدي الطريقة التي تتعامل بها أدمغتنا مع عدم اليقين دوراً رئيساً في كيفية تعاملنا مع الحياة. بمجرد أن نفهم أن استجاباتنا المعرفية والعاطفية لعدم اليقين هي عملية طبيعية، ربما تبدو تلك القرارات الكبيرة أقل ترويعاً، ويمكننا اتخاذ خيارات أفضل.


د. رضا مودغيل
(DrRadhaModgil@)
رضا طبيبة في الهيئة الوطنية للخدمات الصحية NHS في المملكة المتحدة ومذيعة وناشطة في مجال الرفاهية. وهي الخبيرة الطبية في برنامج Life Hacks على إذاعة BBC Radio 1. صدر كتابها الأول: تعرَّفْ على قوتك Know Your Own Power (منشورات: Yellow Kite).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى