فترات استراحة خالية من التكنولوجيا: هل هي طريقة جديدة للتغلب على الاحتراق الوظيفي؟
يَعِد الابتعاد عن التكنولوجيا بتحسين رفاهيتك، ولكن العلم لا يوفر سوى القليل من الأدلة على ذلك
هل سبق لك أن أخذت استراحة من كل ما هو متصل بالإنترنت والتكنولوجيا؟ يُعرف ذلك أيضاً باسم ”التخلص من السموم الرقمية“ Digital detox أو ”رفض الوسائط“ Media refusal، ويصف الاتجاه المتزايد لقضاء قدر كبير من الوقت بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب في محاولة لتقليل التوتر وتحسين الرفاهية Wellbeing.
حتى أن ”اليوم الوطني للانقطاع عن التكنولوجيا“ National Day of Unplugging يُنظم سنوياً في أول يوم جمعة من شهر مارس. والغرض منه هو التشجيع على الانقطاع عن الإنترنت والاسترخاء وفعل أشياء أخرى غير استخدام الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
في الآونة الأخيرة بدأت تظهر إجازات الانقطاع في معظم أنحاء المملكة المتحدة، وهي عطلات تهدف إلى مساعدة سكان المدن على الابتعاد عن المطحنة الرقمية. وهي في الأساس، نسخة فاخرة من التخييم، وقضاء الوقت في إجازة في الريف مع إغلاق الهواتف وأجهزة الحاسوب المحمولة طوال مدة العطلة، وحتى الانفصال تماماً عن الإنترنت.
”لقد وجدت دراسات أن الشعور بالإدمان على الاتصال بالإنترنت هو سبب شائع للرغبة في الانفصال“ عنها
لقد وجدت دراسات أن الشعور بالإدمان على الاتصال بالإنترنت هو سبب شائع للرغبة في ”الانفصال“ عنها بهذه الطريقة. ولكن هل تساعد عمليات التخلص من السموم الرقمية حقاً على تحسين الصحة العقلية وتقليل التوتر ومعالجة الاحتراق الوظيفي؟
ما زالت الأدلة متباينة
يتزايد القلق بشأن التأثيرات السلبية لأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي منذ أن بدأت في الانتشار في كل مكان. لقد اتسع انتشارها كثيراً إلى درجة أنه حتى محترفو التكنولوجيا في وادي السيليكون الذين أنشؤوا وسائل التواصل الاجتماعي ينقطعون عن التواصل (بل ويخترعون تقنيات جديدة لمساعدتهم على ذلك).
لقد بحثت عديد من الدراسات تأثيراتِ الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب ووسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت فينا. وأظهرت أبحاث أن تخفيف وتيرة التحقق من البريد الإلكتروني يمكن أن يقلل من التوتر، كما ربطت دراسات بين استخدام فيسبوك وتدني الرفاهية. وأثارت الإشعارات والتحديثات المستمرة المرتبطة باستخدام الهواتف الذكية، على وجه الخصوص، مخاوف بشأن الصحة، خاصة أنها يمكن أن تسبب اضطراباً في أنماط النوم.
في الواقع تقول كارلا كلاين ميردوك Karla Klein Murdock، أستاذة العلوم المعرفية والسلوكية من جامعة واشنطن آند لي Washington and Lee University في الولايات المتحدة، إن دراسات أظهرت أن مجرد وجود الهاتف الذكي يمكن أن يكون له تأثير نفسي ضار، حتى من دون استخدامه.
هناك أيضاً سؤال حول ما نفوِّته أو نخسره عندما نصرف كثيراً من الوقت على الأجهزة الرقمية. تشير نتائج إحدى الدراسات الحديثة إلى أننا نقلل من شأن المتعة التي نحصل عليها من مجرد الجلوس والتفكير.
بالنظر إلى كل هذا هل يساعد الانفصال عن الأجهزة والشبكة؟ عندما يتعلق الأمر بالأدلة على فوائد الانقطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي [ص 35] والهواتف الذكية، لا تبدو الصورة واضحة. على سبيل المثال وجدت إحدى الدراسات الحديثة أن أخذ استراحة من وسائل التواصل الاجتماعي لم يكن له أي تأثير إيجابي يمكن قياسه على الرفاهية.
يقول د. جيفري لامبرت Jeffrey Lambert، المحاضر في علم نفس الصحة والتمارين الرياضية من جامعة باث University of Bath، إنه يسمع مصطلحات مثل الانقطاع والتخلص من السموم الرقمية تستخدم أكثر فأكثر، لكنها غالباً ما تعني أشياء مختلفة.
ويقول: ”عندما تبدأ في الغوص في تفاصيل الدراسات، ترى أن الباحثين يستخدمون مصطلحات مختلفة أو يعرِّفون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو استخدام التكنولوجيا بطرق مختلفة. هناك كثير من الجدل حول ما نعنيه بوسائل التواصل الاجتماعي“.
ولكن هناك بعض الأدلة على أن أخذ فترات راحة بعيداً عن التكنولوجيا، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية.
في دراسة نُشرت في العام 2022، نظر لامبرت وزملاؤه في تأثير أخذ استراحة مدة أسبوع من فيسبوك (ميتا حالياً)، وإنستغرام، وتويتر (X حالياً) وتيك توك، ووجدوا أن له تأثيراً إيجابياً في الرفاهية والاكتئاب والقلق مقارنة بالمجموعة الضابطة Control group التي واصلت استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بوتيرة طبيعية.
وتضيف كلاين مردوك أن عديداً من الدراسات الأخرى أوضحت الفوائد النفسية للانقطاع عن التكنولوجيا. في إحدى هذه الدراسات وُجد أن المشاركين الذين امتنعوا عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مدة أسبوع تمتعوا بمستوى أعلى من الصحة العقلية والترابط الاجتماعي مع انخفاض ”الخوف من تفويت الأشياء“.
وفي دراسة تلَوية Meta-study حديثة أجراها باحثون من جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London عبر مراجعة مجموعة مختارة من الدراسات المنشورة سابقاً وُجدت بعض الأدلة على أن ارتفاع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بضعف رفاهية الصحة العقلية [ص 36]. وخلصت أيضاً إلى أن هناك بعض الأدلة على أن التدخلات في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فعالة في تحسين الصحة العقلية، خاصة لدى أولئك الذين يعانون الاكتئاب، وعند استخدامها بالتزامن مع التدخلات القائمة على العلاج.
يقول لامبرت: ”لقد وجدوا، بوجه عام، أن التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أو أخذ استراحة منها، يؤدي على ما يبدو إلى تحسين الرفاهية“.
ويضيف أن ما يدعو إلى الحذر هو أن الدراسات في هذا المجال تميل إلى أن تكون ذات نوعية رديئة جداً، كما أنها تستخدم طلبة جامعيين مشاركين بدلاً من أشخاص جرى تشخيص مستويات الاكتئاب أو القلق لديهم.
لكن يتضمن الاتجاه نحو الانفصال عن التكنولوجيا أيضاً قضاء بعض الوقت في الطبيعة، وهناك أدلة مهمة على أن هذا يؤدي إلى تحسين الرفاهية والصحة العقلية. ووجدت إحدى الدراسات المنشورة في العام 2018 صلة بين ارتفاع استخدام الهاتف المحمول وانخفاض الإحساس بالارتباط بالطبيعة.
تقول كلاين ميردوك: ”نظراً إلى أن هاتين الحالتين مرتبطتان بانخفاض الرفاهية، فقد تكون هناك فوائد إضافية للانفصال إذا كنتِ تقضين وقتاً في الطبيعة“.
وفي نهاية المطاف هناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لكشف إيجابيات وسلبيات الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها فينا. ففي نهاية الأمر أظهرت الدراسات أيضاً أن عديداً من الأشخاص يشعرون بأنهم يحصلون على عديد من الفوائد الإيجابية من استخدامها، كما يشير لامبرت، مثل زيادة الشعور بحيازة رأس مال اجتماعي أو الرضا عن الحياة.
وأشار الخبراء أيضاً إلى الاتجاه التاريخي لظهور مخاوف واسعة النطاق، وحتى ذعر، حول التقنيات الجديدة التي نعتبرها حالياً عادية، من الروايات وأجهزة الراديو المنزلية إلى أفلام الرعب.
يقول لامبرت: ”تماماً مثل كل شيء في الحياة، إنها مسألة دقيقة“. في الوقت الحالي هو ينصح ببساطة بتجربة مجموعة من الأساليب المختلفة لمعرفة أي منها مناسب: ”أعتقد أن كثيراً من الإجابات تكون في بعض الأحيان داخلَنا فيما يتعلق بما نعتقد أنه قد يساعدنا“.
جوسلين تيمبرلي Jocelyn Timperley
(@jloistf)
جوسلين صحافية مستقلة في مجال المناخ والعلوم