منظور جديد للثقب الأسود يؤكد نظرية عمرُها 30 عاماً
يمكن أن تساعدنا أرصاد التلسكوب الأوروبي الكبير جداً Europe’s Very Large Telescope على تسليط الضوء على تاريخ مجرة درب التبانة
منذ أن رُصدت أول مرة في خمسينات القرن العشرين، حيَّرت نوى المجرة النشطة Active Galactic Nuclei أو (اختصاراً: النوى AGNs)، علماءَ الفلك. في سماء الليل، تكون النوى المجرية النشطة منطقة مضغوطة ومشرقة في مركز المجرة تُصدر من الضوء أكثر بكثير مما هو متوقع من النجوم.
يُعتقَد أن مصدر هذا اللمعان هو ثقوب سوداء فائقة الكتلة Supermassive black holes، أو بنحو أدق: المادة التي تدور حول حوافها بسرعة تقترب من سرعة الضوء قبل أن تُمتص في أفق الحدث Event horizon في الثقب الأسود.
على الرغم من الاعتقاد أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة هي مصدر جميع النوى المجرية النشطة، فإنه ليس من الواضح سبب كون بعضها أقل نشاطاً (سطوعاً) من الأخرى. لكن حالياً أضحت لدى علماء الفلك إجابة عن ذلك بفضل أرصاد أجروها لثقب أسود فائق الكتلة في مجرة لا تبعد كثيراً عنا.
ينص النموذج الموحد للنوى المجرية النشطة Unified Model of AGNs الذي وُضعت نظريته أول مرة قبل 30 عاماً، أنه على الرغم من أن بعض النوى المجرية النشطة تُصدر على ما يبدو دفعات راديوية، في حين يبدو أن البعض الآخر يصدر ضوءاً مرئياً، والبعض الآخر أشعة سينية، إلا أنها جميعها عبارة عن ثقوب سوداء فائقة الكتلة تحيط بها حلقة من الغبار الكوني التي تنبعث منها إشعاعات كهرومغناطيسية ليست النجوم مصدرها. يرجع الاختلاف في المظهر بين النوى المجرية النشطة ببساطة إلى الاتجاه الذي نرى منه الثقب الأسود من خلال الحلقة من الأرض؛ فبعضها يحجبه الغبار أكثر من الأخرى.
والأرصاد المُقرَّبة التي التقطها مقياس التداخل في التلسكوب الكبير جداً Very Large Telescope Interferometer التابع للمرصد الأوروبي الجنوبي European Southern Observatory (اختصاراً: التلسكوب ESO’s VLTI)، في صحراء أتاكاما في تشيلي.
توصل الفريق إلى هذا الاكتشاف من خلال دراسة المجرة مسييه 77 (Messier 77)، وهي مجرة حلزونية تقع على بعد 47 مليون سنة ضوئية من الأرض في كوكبة قيطس Cetus، باستخدام تجربة طيف الأشعة تحت الحمراء المتعددة Multi AperTure midInfrared Spectro Scopic Experiment (اختصاراً: التجربة MATISSE) في التلسكوب VLTI.
وبرسم خريطة للتغيرات في درجة حرارة الغبار- التي تختلف من درجة حرارة الغرفة إلى حرارة كاوية °1200س- الناتجة عن الإشعاع المنبعث من الثقب الأسود، تمكنوا من أن يجمعوا معاً صورة توضح المكان الذي يجب أن يكمن فيه الثقب الأسود. ما وجدوه كان ما تنبأ به النموذج الموحد: ثقب أسود هائل محاط بقرصٍ سميك من الغبار الكوني.
قالت الباحثة الرئيسة فيوليتا غاميز روساس Violeta Gámez Rosas من جامعة لايدن Leiden University في مدينة لايدن في هولندا: “كانت الطبيعة الحقيقية لسحب الغبار، ودورها في تغذية الثقب الأسود، وتحديد شكله عند النظر إليه من الأرض، أسئلة مركزية في دراسات نوى المجرة النشطة على مدى العقود الثلاثة الماضية… على الرغم من أنه لا يمكن لنتيجة واحدة أن تقدم حلولاً لجميع الأسئلة التي لدينا، فقد خطونا خطوة كبيرة على طريق فهم كيفية عمل النوى AGNs”.
يتطلع الباحثون حالياً إلى استخدام التلسكوب ESO’s VLTI لتأكيد النموذج الموحد للنوى المجرية النشطة من خلال مراقبة عدد أكبر من المجرات.
قالت غاميز روساس: “يجب أن تؤدي نتائجنا إلى تكوين فهم أفضل لما يجري داخل النوى المجرية النشطة… يمكنها أيضاً مساعدتنا على تكوين فهم أفضل لتاريخ مجرة درب التبانة التي تضم ثقباً أسود هائلاً في مركزها، وربما كان نشطاً في الماضي”.