نظرة عميقة على عالم الذكاء الاصطناعي
حفل العام 2023 بأخبار الذكاء الاصطناعي (AI) وما يعد به من إمكانات، وهو ما خصص له البروفيسور مايك وولدريدج Mike Wooldridge أول محاضرة ألقاها بمناسبة نهاية السنة في المعهد الملكي Royal Institute. حاورته نوا ليتش Noa Leach عن ذلك وعن الكيفية التي يعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيغير وَفقَها العالم فيما يخص الأطفال
على امتداد نحو 200 سنة من تاريخ تنظيم المعهد الملكي محاضرات نهاية السنة، تناولت تلك المحاضرات مواضيع في الكيمياء والهندسة الميكانيكية وعلم الفلك وعلم النفس وتغير المناخ، ولكنها ركزت في العام 2023 على الذكاء الاصطناعي (AI). منذ طرح برمجيات الذكاء الاصطناعي، بدأ كثيرون يعبرون عن القلق بشأن التغييرات التي سيدخلها الذكاء الاصطناعي في حياتنا من الرعاية الصحية وأداء المهن والترفيه، ولكن ما هو رأي الخبراء حيالَ كل ذلك؟ مايك وولدريدج هو أستاذ علوم الحاسوب من جامعة أكسفورد University of Oxford، وقد اختير لإلقاء محاضرة في المعهد الملكي حول الذكاء الاصطناعي.
ما كان عليه رد فعلك لدى اختيارك لإلقاء محاضرة نهاية السنة في المعهد الملكي؟
كان الأمر مفاجئاً إلى حد كبير. محاضرات عيد الميلاد كانت من الفعاليات التي استمتعت بها خلال طفولتي. كنتُ مهتماً حقاً بالعلوم، وما زلت أذكر عندما شاهدتُها في سبعينات القرن العشرين.
أذكر أنني شاهدت عالِم الفيزياء الفلكية كارل ساغان Carl Sagan يتحدث عن الكواكب وأذهلتني محاضرته كثيراً. وفي الآونة الأخيرة ألقاها السير ديفيد أتينبورو David Attenborough. ديفيد أتينبورو!
إن السير على خطاهما هو في الواقع أمر رائع. يقول عدد كبير من العلماء البريطانيين إن محاضرات عيد الميلاد هي من الأمور التي ألهمتهم ورسخت اهتمامهم بالعلوم. أن تكون جزءاً من هذا الإرث شيءٌ رائع.
تشتهر محاضرات عيد الميلاد بالوسائل التوضيحية المعروضة، فبمَ استعنتَ في محاضرتك؟
أول ما أخبرني به فريق المعهد الملكي هو ضرورة توفير الوسائل التوضيحة. وهو ما استعنتُ به ولا سيما حول ما يعنيه الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في ألعاب الحاسوب. يقضي كثير من الأطفال أوقات فراغهم في اللعب وقد لا يدركون أن هناك كثيراً من الذكاء الاصطناعي خلف الكواليس في ألعاب الحاسوب. اخترتُ أن أطلب إلى بعض الأطفال الحاضرين اللعب ببرمجيات تستخدم بعض تقنيات ألعاب الذكاء الاصطناعي الأكثر تطوراً في العالم. ذلك من حسن حظهم!
أعددت كذلك اختبار تورينغ Turing Test للتجربة المباشرة ]يقيس الاختبارُ قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري[. حتى بضع سنوات خلت، لم تتوافر لدينا برامج حاسوب يمكنها اجتياز اختبار تورينغ بكفاءة [والقدرة على التحدث بطريقة لا يمكن تمييزها عن الإنسان]. ثم فجأة، صارت لدينا برامج يمكنها اجتيازه على نحو معقول. بصفتي باحثاً في الذكاء الاصطناعي أعمل في هذا المجال منذ فترة طويلة، كان الحصول على هذه الفرصة على هذا النحو المفاجئ أمراً يكاد لا يُصدَّق.
”آمل أن أوضح حقاً أنه لا يوجد ما نخشاه مع الذكاء الاصطناعي“
الهدف هو إزالة الغموض المحيط بكل هذا. لذا اخترنا أن نلعب أيضاً بعض الألعاب التي تشرح كيف تعمل خوارزميات نموذج ChatGPT، وأن نوضح للناس ما يحدث ”داخل“ برامج الذكاء الاصطناعي هذه، أملاً في أن أوضح حقاً أنه لا يوجد ما نخشاه مع الذكاء الاصطناعي.
يشعر بعض الآباء والمعلمين بالقلق من انشغال الأطفال تماماً بوسائل الترفيه التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو من الإفراط في الاعتماد عليها في أداء واجباتهم المدرسية. ماذا يمكن أن تقول لهم؟
إن الشعور بالخوف من تهديد التكنولوجيا للحضارات ليس جديداً. أتذكر أنه في سبعينات القرن العشرين، عندما صارت آلات الجيب الحاسبة متاحة على نطاق واسع، كان لدى الناس المخاوف نفسها تماماً: كانوا قلقين من أن الأطفال لن يتعلموا كيف يُجرُون العمليات الحسابية وسوف ينجزون كل واجباتهم المدرسية على الآلة الحاسبة.
لكن الرياضيات لم تشهد انهياراً. ما فعلته آلاتُ الجيب الحاسبة هو أنها خففت عنا عبئاً ثقيلاً جدا. تُمكِّن حاسبات الجيب عديداً من الأشخاص من إجراء العمليات الحسابية التي لا يستمتعون بإجرائها، كما تُمكنهم من أن يفعلوا ذلك على نحو أسرع وبثقة أكبر.
أعتقد أن هذا بالضبط ما سيحدث مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي على المدى الطويل. ستكون مجرد أداة أخرى، تشبه حاسبات الجيب.
انسجاماً مع هذا التفكير، أسمع أن كثيراً من المعلمين يأملون أن يتمكن الذكاء الاصطناعي قريباً من تولي عمليات التصحيح بدلاً منهم. هل ترى أن ذلك ممكن؟ كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في الفصل الدراسي؟
استخدام الذكاء الاصطناعي في الوقت الحالي في التصحيح ووضع الدرجات سيشعرني بالتوتر، لأنه ما زال يرتكب كثيراً من الأخطاء. أعتقد أنه سيتمكن من [أداء هذه المهمة] في النهاية، لكن الحكم البشري مهم جداً في تحديد الدرجات الأكاديمية.
لكنني أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون له مكانُه في الفصل الدراسي. إحدى الفوائد غير المتوقعة لأدوات مثل نموذج ChatGPT هي أنها جيدة حقاً في تبادل الأفكار وتوليفها. يمكنه إعداد المعلمين في مواضيع مختلفة واقتراح أفكار حول كيف يمكن شرح الأشياء بطرق جديدة ومثيرة للاهتمام.
دور الذكاء الاصطناعي الذي نحلم به في مجال التعليم هو أن نحصل في نهاية الأمر على برمجيات تعليمية أو ”معلمين“ بالذكاء الاصطناعي. وهذا يعني أننا سنصل إلى نقطة يأخذ فيها نموذج ChatGPT دور المعلم. لكنني أعتقد أن المعلمين آمنون في وظائفهم في المستقبل المنظور. لقد رأينا عديداً من منتجات التكنولوجيا الجديدة في التدريس، ولكن، في الأساس، التدريس يشبه إلى حد كبير حالياً ما كان عليه قبل 200 عام.
تبحث بعض الدراسات ما يحدث لنفسية الطفل إذا كان يتصرف بوقاحة باستمرار مع الذكاء الاصطناعي بطريقة لا يمكن أن يتصرف بها مع إنسان. هل يجدر بنا تشجيع الأطفال على احترام الذكاء الاصطناعي ورؤيته كصديق؟
من ناحيةٍ أعتقد أن هذه التكنولوجيا هي مجرد أداة. إن توجيه شتائم لجدول بيانات إكسل Excel (وهو ما أفعله في معظم الأيام) ليس خطأً في جوهره، وكذلك الحال بالنسبة إلى توجيه الشتائم إلى نموذج ChatGPT.
يصير الأمر صعباً إذا قدمنا الذكاء الاصطناعي على أن شخصية بشرية. الإساءة إلى جدول بيانات إكسل لا يبدو بالأمر الخطأ، ولكن ما سيكون عليه شعورنا تجاه إساءة استخدام روبوت لديه ما يشبه الإنسان مثل رأس بشري وعينين؟
أظن أن معظمنا سيشعر، على أقل تقدير، بعدم الارتياح حيالَ ذلك – لأنه بطريقة ما يجعل الأمر أقرب كثيراً إلى إساءة معاملة البشر. لذلك أعتقد أن أحد المبادئ المهمة حول الذكاء الاصطناعي هو أنه لا ينبغي مطلقاً تقديمه كأنه إنسان، بل يجب تقديمه دائماً على أنه أداة.
أعتقد أن الحقيقة هي أننا لا نعرف بعد. لكنني أعتقد بالتأكيد أنه شيء يستحق المتابعة.
تاريخ الذكاء الاصطناعي في خمس محاضرات نظمها المعهد الملكي
في العام 2023 شهد المرة الأولى التي كان فيها الذكاء الاصطناعي هو الموضوعَ الرئيس لمحاضرات نهاية العام. ولكن على مدى العَقدين الماضيين، مهدت خمس محاضرات في المعهد الملكي لوصول التكنولوجيا إلى أذهان الجمهور…
2000
على الرغم من توقُّع آلان تورينغ أن يجتاز الحاسوب اختباره بحلول نهاية القرن، عندما ألقى أستاذ علم التحكم الآلي كيفن وارويك Kevin Warwick (أعلاه) محاضرتَه التي تضمنت اختبار تورينغ، لم تحصل أي برمجية للذكاء الاصطناعي على الدرجة. وما زال من غير الواضح إذا اجتازت أي برمجية هذا الاختبار.
2008
في محاضرات عيد الميلاد للعام 2008، أوضح البروفيسور كريس بيشوب Chris Bishop التحديات التي ينطوي عليها بناء آلات ذكية للمعالجة البصرية. ولتوضيح ذلك، استخدم بيشوب ثلاثة متطوعين لاختبار تقنية جديدة تحدد طيور البطريق الفردية من خلال علاماتها الأمامية.
2013
استخدمت عالمة الأحياء البروفيسورة أليسون وولارد Alison Woollard برنامج شيخوخة الوجه – كما يظهر حالياً في عديد من المُرشِّحات (فلاتر) التي تتيح تعديل الصور وتحسينَها على وسائل التواصل الاجتماعي – في محاضرتها في عيد الميلاد لشرح بيولوجيا الشيخوخة.
2018
استكشفت البروفيسورة أليس روبرتس Alice Roberts وإيف ماكلايسغت Aoife McLysaght كيف يمكن للتقنيات الناشئة استخدام علم الجينات للتنبؤ بخطر الإصابة بالأمراض. بعد عامين من محاضرتهما، تصدر نظام التعلُّم العميق AlphaFold عناوين الأخبار بعد نجاحه في التنبؤ ببنية البروتين.
2022
تضمنت محاضرة البروفيسورة دايم سو بلاك Dame Sue Black حول علوم الطب الشرعي دراما قصيرة في قاعة المحكمة، عندما استدعت بلاك عالم حاسوب ليكون ”شاهداً“ للحديث عن استخدام الذكاء الاصطناعي لاستخراج المعلومات التشريحية من صور يدي الجاني.