في ديسمبر تصدرت وزارة الطاقة الأمريكية عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم مع إعلان تحقيق إنجاز علمي خارق في طاقة الاندماج Fusion power: للمرة الأولى، حصلوا على تفاعل أنتج طاقة أكثر من طاقة الليزر الذي أنتجها. على الرغم من أنها كانت خطوة كبيرة إلى الأمام، فإن الطاقة اللازمة لتشغيل الليزر كانت لا تزال تمثل عاملاً يزيد بمقدار 100 ضعف الطاقة الناتجة عن التفاعل، لذلك يمكننا أن نقول إنه ما زال هناك كثير من العمل الذي يتعين الاضطلاع به. لكن هذا يطرح بعض الأسئلة المثيرة للاهتمام: كيف تعمل قوة الاندماج، وما علاقة كل هذا بحياة النجوم وموتها؟
إذا كنتَ على اطلاع على أساسيات الطاقة النووية والأسلحة النووية، فقد تُلاحظ تناقضاً واضحاً. تعتمد محطات الطاقة النووية والقنابل الذرية على تقسيم النوى الذرية لإنتاج الطاقة (الانشطار Fission)، في حين تعمل القنابل الاندماجية والقنابل الهيدروجينية على الطاقة التي تحصل عليها من خلال دمج النوى بعضها ببعض. كيف يمكن أن يكون كلاهما متاحاً؟ يتعلق الأمر بتشبث النوى الذرية بعضها ببعض، وكيف يعتمد هذا التشبث على عدد البروتونات والنيوترونات التي تمتلكها الذرة.
دعنا نبدأْ بالتفاعل النووي الذي يمد الشمس بالطاقة: اندماج الهيدروجين لتكوين الهيليوم. ذرة الهيدروجين المحايدة عبارة عن بروتون ومعه إلكترون مرتبط به. النجوم حديثة الولادة هي في الغالب نوى الهيدروجين (مجرد بروتونات)، مع بعض نوى الهيليوم والإلكترونات مع قدر قليل جداً من العناصر الأخرى التي تتقافز حولها. نظراً إلى أن البروتونات جميعها مشحونة بشحنة موجبة، فإنها تتنافر كهربائياً بعضها مع بعض، ولكن مع ما يكفي من الحرارة والضغط، فإنها ستصطدم أحياناً بعضها ببعض. عندما تفعل ذلك، تبدأ في التفاعل مع القوة النووية القوية Strong nuclear force، وعندها يتغير كل شيء. في تلك المسافات القريبة، تكون القوة القوية أقوى من التنافر الكهربائي، ومن ثم يصطدم بروتونان عندما يقترب كلاهما من الآخر اقتراباً شديداً.
يمر هذان البروتونان المندمجان معاً في قلب النجم بعدة مراحل من التحول قبل أن يصيرا هيليوم، لكن الأساس هو أن النوى الأكبر مرتبطة بإحكام أكبر من النوى الأصغر. يمكنك التفكير في الأمر مثل التشبث. عموماً العناصر الأخف من الحديد تصير أكثر تشبثاً عندما تصير أثقل، وعندما تدمج نوى أقل تشبثاً في نوى أكثر تشبثاً، فإنك تحصل منها على الطاقة. تخيل لعبة السلنكي Slinky – المؤلَّفة من لفائف متصلة بعضها ببعض – أعلى درجات سلم. عليك أن تعطي السلنكي دفعة لتبدأ الحركة، ولكن بمجرد أن تفعل ذلك، فإنها تكتسب الطاقة في أثناء نزولها وستستمر في ذلك مهما امتد السلم.
هذا هو السبب الذي يجعل طاقة الاندماج ممكنة من حيث المبدأ: إذا كان في إمكانك بدء التفاعل وجعله يستمر، يمكنك إنشاء نظام يتحول فيه الهيدروجين إلى هيليوم ويطلق الطاقة. تعمل القنابل الهيدروجينية على المبدأ نفسه. في النجوم يكون الاندماج مسؤولاً عن تكوين بعض العناصر الأكثر شيوعاً على الأرض. عندما يحول نجم ضخم كل الهيدروجين الذي يمكنه تحويله، فإنه يتحرك إلى الأعلى في الجدول الدوري، مكوناً أغلفةً متحدة المركز لاندماج الهيليوم والكربون والنيون والأكسجين والسيليكون. في كل هذه العناصر، تؤدي إضافة مزيد من البروتونات إلى زيادة تشبث النواة، ومن ثمّ يجري إنتاج الطاقة في هذه العملية. لكن شيئاً ما يتغير عندما تصل إلى الحديد، وهو أمر كارثي.
الحديد هو الأكثر تشبثاً من بين جميع النوى الموجودة بوفرة في النجوم. (من الناحية العملية، هناك شكل من أشكال النيكل أكثر ارتباطاً، لكنه نادراً ما ينتج في النجوم). هذا يعني أنه يمكن الحصول على الطاقة من خلال دمج نوى أصغر لإنتاج الحديد، ولكن إذا حاولنا إضافة مزيد من البروتونات، فسوف ينتهي بنا الأمر إلى شيء أقل ارتباطاً، ومن ثمّ فإن العملية ستمتص الطاقة بدلاً من إصدارها. الحديد هو الذرة في أسفل السلم، مع درجات سلم تؤدي صعوداً إلى الهيدروجين من جانب وإلى أثقل العناصر في الجانب الآخر.
والنتيجة بالنسبة إلى نجم هي أنه بمجرد أن يصير قلبه ممتلئاً بالحديد، فإن الاندماج لن يعود يعمل فيه، ولن يكون هناك مزيد من إنتاج الطاقة لمنع النجم من الانهيار على نفسه. عند تلك النقطة، ينفجر النجم في سوبرنوفا Supernova، مكوناً إما نجماً نيوترونياً كثيفاً على نحو خيالي وإما ثقباً أسود. يضخ الانفجار نفسه الطاقة في الحطام النجمي الذي يمكن أن تنتج عنه عناصر أثقل، أي مثل دحرجة السلنكي على درجات السلم.
على الجانب الثقيل من ’الذروة الحديدية‘ Iron peak للتشبث، يكون ارتباط العناصر الثقيلة أقل إحكاماً، لذا فإن التفاعلات النووية التي تفكك النوى تنتج الطاقة. هذه هي الطريقة التي يعمل بها الانشطار: تنقسم العناصر الثقيلة جداً مثل اليورانيوم والبلوتونيوم في تفاعل مُتحكَّم فيه داخل محطات الطاقة النووية، أو بطريقة متفجرة في القنابل الذرية. ما زال الأمر يتطلب بعض الجهد لبدء العملية، مثل تلك الدفعة الأولى للسلنكي، لكن الطاقة الناتجة يمكن أن تكون هائلة.
«في غضون ذلك يمكننا دائماً تقدير مُفاعل الاندماج العملاق في السماء»
من غير الواضح بعد ما إذا كانت الطاقة الاندماجية ستزود في يوم من الأيام مدنَنا بالطاقة أو لا. ولكن في غضون ذلك يمكننا دائماً تقدير مُفاعل الاندماج العملاق في السماء، وحقيقة أنه على بعد مسافة آمنة، ولديه ما يعادل بلايين السنين من الهيدروجين المتبقي ليحترق.
د. كيْتي ماك
(AstroKatie@)
كيْتي عالمة في الفيزياء الفلكية النظرية. تشغل حالياً منصب كرسي هوكينغ Hawking Chair in Cosmology and Science Communication في علم الكونيات والتواصل العلمي في معهد بيريمتر للفيزياء النظرية Perimeter Institute for Theoretical Physics.