انتقلت السيارات ذاتية القيادة بسرعة من كونها فكرةً من قصص الخيال العلمي إلى تكنولوجيا حاليا، في حين يتسابق المصنعون في معظم أنحاء العالم لتطوير تجربة القيادة من دون سائق. بينما شهدت التكنولوجيا تحسينات جذرية في السنوات الأخيرة، ما زلنا بعيدين عن عالم خالٍ من المركبات التي تحتاج إلى بشر وراء عجلة القيادة. ومع ذلك قالت حكومة المملكة المتحدة إنها تريد وضع السيارات ذاتية القيادة على الطرق في غضون السنوات الثلاث المقبلة. فما مدى واقعية هذه المهلة؟ ولنفترض أننا حققنا ذلك، فهل ستتغير طرقات المملكة المتحدة بنحو جذري؟ تحدثنا إلى جاك ستيلغو، أستاذ سياسات العلوم والتكنولوجيا في جامعة يونيفرسيتي كوليدج لندن University College London، لنأخذ فكرة عن مستقبل السيارات.
السير على الطرق
في إطار خطة جديدة للمركبات ذاتية القيادة، التزمت الحكومة بإنفاق 100 مليون جنيه إسترليني على دعم الابتكار في القطاع. وتقدر أن الاستثمار سيؤدي إلى استحداث 38,000 وظيفة جديدة، وإجراء تغيير شامل لتصميم الطرق.
في حين أن هذا قد يعني وضع السيارات ذاتية القيادة على الطرق في وقت قريب جداً، يعتقد ستيلغو أنه سيكون على نطاق صغير ومحدود جداً. ”عندما نقول: ‘سيارات ذاتية القيادة بحلول العام 2025’، علينا أن نسأل: في أي ظروف؟ على أي نوع من الطرقات ولمن؟ من المحتمل أن تكون السيارات مقيدة بالسير على الطرقات السريعة التي هي بالفعل بيئة قيادة آمنة ومنظمة“، كما يقول. ”قد نرى سيارة ذاتية القيادة قادرة على التعامل مع سيناريو الطريق السريع بطريقة يمكن التنبؤ بها تماماً بحلول العام 2025“.
ومع ذلك فإن هذا يعني أن السيارات ذاتية القيادة بعيدة جداً عن أن تشكل جزءاً كبيراً من بنيتنا التحتية. وهذا ليس مفاجئاً حقاً، لأن تكلفة المركبات ستعني أنها ستكون على الأرجح خياراً فقط للأشخاص ذوي الدخل المرتفع.
إعادة كتابة أنظمة السير
على الرغم مما توحي به هذه الخطط للتقدم السريع، فقد تخلفت المملكة المتحدة في الابتكار في مجال المركبات ذاتية القيادة. يقول ستيلغو: ”إن صانعي السياسة البريطانيين يقولون إن هذا مجال يمكن لبريطانيا أن تضطلع فيه بدور ريادي، على الرغم من أننا فقدنا كل قدرتنا على تصنيع سيارات فورد موتور Ford Motor قبل بضعة عقود، ولم نتحرك باندفاع مثلما فعلت الولايات المتحدة، وعلى نحو متزايد الصين – وكلتاهما سرّعت نشر [المركبات ذاتية القيادة] في المدن“.
هذا لا يعني أن المملكة المتحدة لا يمكن أن تكون بلداً رئيساً في مستقبل السيارات ذاتية القيادة. يقول ستيلغو: ”ما زال في إمكان بريطانيا أن تؤدي دوراً مهماً حقاً، وهو ما فعلته تاريخياً مع عديد من التقنيات الجديدة من خلال عملية وضع المعايير، ومن خلال المساعدة على كتابة القواعد التي تضمن التطوير المسؤول للتكنولوجيا“.
”من المحتمل أن تكون السيارات مقيدةً بالسير على الطرقات السريعة التي هي بالفعل بيئة قيادة آمنة ومنظمة“
فكرة وضع المعايير والقواعد هذه لا تقل أهمية عن التكنولوجيا نفسها. لقد نوقشت أخلاقيات وقانونية السيارات ذاتية القيادة منذ أن صارت ممكنة واقعياً.
يقول ستيلغو: ”تعمل حكومة المملكة المتحدة مع خبراء القانون، وتفكر في مسائل الهندسة والأخلاق. المهمة الأهم، من الناحية القانونية، هي تحديد المسؤولية والمسؤولية القانونية. [لمعرفة] من يتحكم في السيارة: هل السائق هو المسؤول أو الشركة المصنِّعة؟“.
ولكن، هناك أيضاً قواعد غير ملحوظة وغير مطبقة للقيادة على الطرق يجب مراعاتها.
”القواعد التي تعلمناها في المدرسة [رمز العبور الأخضر، على سبيل المثال] وقانون الطريق السريع، والتي تغيرت أخيراً؛ يجب أخذ هذه الأشياء في الاعتبار. لن تتفاعل السيارة ذاتية القيادة مع مستخدمي الطريق الآخرين بالطريقة نفسها التي يتفاعل بها الإنسان. ولكن إذا غيَّرنا القواعد لتناسب السيارات ذاتية القيادة، فقد لا يعطي ذلك الأولوية اللازمة لمجموعات أخرى من الأشخاص“.
مع اقتراب العام 2025، ستحتاج الحكومة والشركات المصنِّعة للسيارات إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانت قواعد الطريق في حاجة إلى تغيير، وعلى أي نحو، لاستيعاب السيارات ذاتية القيادة. سيؤدي الاضطلاع بذلك إلى تسوية تفاصيل مثل إن كان يجدر بنا وضع علامة واضحة على السيارات ذاتية القيادة لتمييزها، أو إن كان من المناسب أن تبدو مثل أي مركبة أخرى على الطريق.
مستقبل السيارات ذاتية القيادة
فلنقفز إلى المستقبل ونتخيل: كيف سيبدو مستقبل السيارات ذاتية القيادة؟ في السنوات الخمس المقبلة أو نحو ذلك، ربما لن تكون الأمور مختلفة كثيراً. من المرجَّح أن يظهر الابتكار في مجال السيارات ذاتية القيادة في أماكن مثل سان فرانسيسكو، ولكن للتوسع على نطاق أوسع، ما زال أمامنا طريق طويل.
يقول ستيلغو: ”يمكن أن نشهد انتشاراً بطيئاً للتكنولوجيا سيكون المستفيدون منه في الواقع قلة. قد يكونون أشخاصاً يعيشون في مدن غنية ولديهم بالفعل إمكانية الوصول إلى عديد من الطرق للتنقل على أي حال. قد يكونون مستهلكين أغنياء للسيارات وهذه مجرد مركبة جديدة يرغبون في اقتنائها“.
في الوقت الحالي لا يوجد سبب حقيقي للإقبال الواسع على التكنولوجيا، لا سيما إذا أخذنا في الاعتبار أنه سيمر وقت طويل قبل أن تصير ميسورة التكلفة. يشبِّه ستيلغو الحال بوضع السيارة في أوائل القرن العشرين عندما كانت في البداية حكراً على مجموعة صغيرة من الناس قبل أن تصير وسيلة يملكها الناس العاديون. تطلب الأمر تغيير قواعد الطريق، وتغيير مخططات المدن والبلدات تماماً.
هذا لا يعني أننا لن نرى تحولاً مفاجئاً. ”يمكن أن يتدخل قطاع التأمين ويقول إن هذه التكنولوجيا أكثر أماناً، لذلك سنجعل استخدامك لسيارة ذاتية القيادة أرخص من قيادة سيارتك الخاصة. من المرجح أن تغير أقساط التأمين المرتفعة على السائقين البشر وجهة النظر العامة بسرعة كبيرة“.
ومع ذلك يعتقد ستيلغو أنه مهما كانت النتيجة النهائية، فسيجري التوصل إليها عبر طريق ”ممل ولكن مدروس“. بدلاً من التركيز على السيارات ذاتية القيادة، قد نشهد أكبر التطورات في النقل العام من دون سائقين.
يوجد في لندن سكة حديدية خفيفة من دون سائق، وقطارات أنفاق من دون سائق. بدلاً من التطلع إلى تنفيذ التكنولوجيا المستقلة على الطرق الفوضوية، يمكن تطوير التكنولوجيا الحالية لتعزيز ما يعمل بالفعل في بيئات يمكن التحكم فيها على نحو أكبر.