المتحور أوميكرون: كم علينا أن نقلق منه؟
بدأت تُنشر أعمال بحثية بصدد أحدث متحور للفيروس المسبب لكوفيد. كم علينا أن نقلق منه، وما الذي يجعله مختلفاً عن المتحورات السابقة؟
منذ أن سمعنا أول مرة عن أوميكرون Omicron، عُثر على هذا المتحور في عديد من البلدان حول العالم، إذ سبَّب الزيادة الأكثر ارتفاعاً في حالات كوفيد-19 التي رأيناها منذ ظهور الجائحة. في المملكة المتحدة سُجلت أكثر من 30,000 حالة جديدة يومياً في فترة أسبوع واحد بدءاً من 14 ديسمبر. في 22 ديسمبر تضاعفت الحالات تقريباً مقارنة بالذروة السابقة التي سُجلت في يناير 2021، وكان أوميكرون هو المتحور السائد. كما شوهدت اتجاهات مماثلة في عديد من البلدان الأخرى بعد وصول أوميكرون.
أكبر أربعة أسئلة تدور حول أوميكرون هي: هل هو أكثر قابلية للانتقال، وهل هو أمهر في التهرب من جهاز المناعة، وهل يُسبب مرضاً مختلفاً، وهل نحتاج إلى فعل أي شيء مختلف لإيقافه. ليست لدينا إجابات نهائية عن معظم هذه الأسئلة، لأننا مازلنا نجمع معلومات عن هذا المتحور؛ ومع ذلك، فقد نُشرت أخيراً عديد من الدراسات كمقالات مسبقة قبل الطبع وغير خاضعة لمراجعة الأقران قد تساعد على تقديم بعض الإجابات.
يشير الانتشار السريع لأوميكرون والارتفاع المرتبط بها في حالات كوفيد-19 في عديد من البلدان إلى أن هذا المتحور يمكن أن يكون أكثر قابلية للانتقال. تدعم هذا المفهوم الدراسات المنشورة قبل الطبع التي تظهر أن أوميكرون أكثر عدوى وله فترة حضانة أقصر (الوقت بين الإصابة بالعدوى وقابلية نقل العدوى) من المتحور دلتا Delta. ومع ذلك فإن الارتفاع السريع في حالات أوميكرون قد يكون أيضاً بسبب قدرته على التهرب من المناعة التي يوفرها اللقاح أو العدوى.
تشير أبحاث حديثة من جنوب إفريقيا- لم تخضع للمراجعة بعد من قبل الأقران- إلى أن أوميكرون قد يكون أكثر قدرة على الإفلات من نظام المناعة مقارنة مع دلتا، مع زيادة مخاطر الإصابة مرة أخرى. وبدأت في تأكيد ذلك التجاربُ المعملية التي أظهرت حماية منخفضة إلى معدومة تقريباً ضد الإصابة بعد جرعتين من اللقاح. الأشخاص الذين تلقوا جرعة معززة من لقاح مُعَدٍّ بتقنية الحمض الريبي المرسال mRNA استعادوا المناعة ضد الفيروس إلى حد ما، على الرغم من تقارير تفيد بإصابة عدد كبير من متلقي الجرعة المعزِّزة. حددت نمذجة جامعة إمبريال كوليدج لندن Imperial College London أن فعالية جرعتي لقاح من أسترازينيكا AstraZeneca تتراوح بين 0 و20%، لكنها ترتفع إلى 55 و80% بعد جرعة ثالثة.
صرحت كلٌّ من شركتي فايزر Pfizer وموديرنا Moderna بأن جرعتين من لقاحيهما هما أقل فعالية بنحو ملحوظ ضد أوميكرون. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن تزيد الجرعة الثالثة معدل الحماية، فمن المحتمل أن توفر جرعتان بعض الحماية ضد الإصابة بالمرض الشديد. هناك أيضاً أدلة جيدة على أن أوميكرون يمكن أن يُفلت من المناعة المكتسبة من عدوى سابقة، حتى لو كانت تلك العدوى السابقة بالمتحور دلتا أو المتحور بيتا Beta، على الرغم من أنه من غير المعروف ما إذا كانت العدوى بأوميكرون ستحمي من الإصابة بعدوى دلتا لاحقاً. تُقدِّر نمذجة إمبريال كوليدج لندن أن أوميكرون مرتبط بزيادة تعادل 5.41 ضعف لخطر الإصابة مرة أخرى، مقارنة بدلتا.
يعود جزء من سبب هذا الإفلات من المناعة والزيادة المحتملة في قابلية الانتقال إلى العدد الكبير من طفرات أوميكرون. من المعروف أن بعض الطفرات التي تحدث في بروتين شوكة الفيروس تؤثر في قابلية انتقال الفيروس والإفلات من جهاز المناعة. ولكن يتساءل كثيرون عما إذا كانت بعض هذه الطفرات في أوميكرون قد غيرت من شدة مرض كوفيد-19. تشير أبحاث حديثة غير خاضعة لمراجعة الأقران إلى أن المتحور قد يغير المكان الذي يتكاثر فيه بنحو أفضل في الجسم، في الرئتين مثلاً يُظهر أوميكرون معدل تكاثر أقل من دلتا، ولكنه أعلى بكثير في الشعب الهوائية (الأنابيب التي تنقل الهواء من القصبة الهوائية إلى الرئتين). من الممكن أن يُسبب أوميكرون مرضاً أقل خطورة إذا لم يتكاثر بالقدر نفسه في الرئتين.
هل يُسبب أعراضاً أخف؟
اقترح تقرير نُشر مبكراً من جنوب إفريقيا أن هذا المتحور يمكن أن ينتج عنه أعراض أكثر اعتدالاً، وهو استنتاج قوبل بكثير من الجدل. فحصت أبحاث حديثة غير خاضعة لمراجعة الأقران من جنوب إفريقيا أكثر من 160,000 حالة كوفيد-19 ووجدت مخاطر أقل في أن تُسبب عدوى أوميكرون دخول المستشفى أو الإصابة بمرض شديد لدى البالغين، مقارنةً بـدلتا. ومع ذلك لاحظ المؤلفون أن هذا قد يكون سببه أن عديداً من حالات أوميكرون هي عدوى مكررة بكوفيد، مع وجود بعض المناعة من العدوى السابقة.
تُلاحظ حالياً اتجاهات مماثلة في المملكة المتحدة، حيث وجدت كل من إمبريال كوليدج لندن وجامعة إدنبرة University of Edinburgh انخفاضاً في مخاطر الاستشفاء مع أوميكرون مقارنة بدلتا. لدى الأطفال، تُظهر بيانات من جنوب إفريقيا زيادة في دخول الأطفال المستشفى بسبب أوميكرون.
في إسكتلندا يبدو أيضاً أن هناك زيادة طفيفة في معدل دخول الأطفال إلى المستشفى بسبب أوميكرون. لم تخضع أيٌّ من هذه البيانات للمراجعة حتى تاريخه، ومن المرجح أن يتغير فهمنا الكامل للمسار الإكلينيكي للمرض وشدته مع توافر معلومات جديدة وأكثر اكتمالاً خلال الأسابيع المقبلة.
حتى لو كانت شدة أوميكرون أقل من شدة دلتا، فنحن نعلم أن هذا المتحور يمكن أن يسبب المرض الشديد، وأن يؤدي إلى الوفاة. مع الارتفاع السريع حالياً في عدد الحالات، يمكن لمعدل ضئيل من الإصابات الشديدة أن يؤدي إلى وجود عدد كبير ممن يحتاجون إلى العلاج في المستشفى، وهذا يهدد بإثقال كاهل نظام الخدمات الصحية الوطني.
إضافةً إلى ذلك من المتوقع أن تستمر عدوى أوميكرون في كونها سبباً وراء أن تتطور لدى ما يقرب من 12% من المرضى الأعراضُ المنهكة المديدة لمرض كوفيد الطويل Long COVID، لدى كل من البالغين والأطفال. في المستوى الحالي مع ما يزيد على 200,000 حالة كوفيد-19 يومياً في المملكة المتحدة (اعتباراً من 4 يناير 2022)، هذا يعني 24,000 حالة جديدة من مرض كوفيد الطويل كل يوم. سيضاف هذا إلى نسبة 1.9% المقدرة من سكان المملكة المتحدة الذين يعانون بالفعل كوفيد الطويل. وحتى النسخة ”الخفيفة“ من أوميكرون يمكن أن تكون لها عواقب كبيرة على الصحة ونظام الخدمات الصحية الوطني والاقتصاد، وتتطلب منا أن نتحرك فوراً لحماية كل من البالغين والأطفال.
ومع ذلك، لا يمكن أن تعتمد إجراءاتنا للتعامل مع أوميكرون فقط على الجرعات المعززة من اللقاحات، فقد تأخر تلقي الجرعة المعززة، ومن المرجح أن تكون فعالية المعززات في وقف العدوى أقل مما كنا نشهده مع دلتا (على الرغم من أن تلقي الجرعات المعززة على نطاق واسع سيساعد في تقليل انتقال العدوى والمرض الشديد). مع استمرار إعطاء الجرعة المعززة، من المهم أن يستمر كل من البالغين والأطفال في اتخاذ التدابير الوقائية التي تبقى فعالة جداً، حتى بالنسبة إلى أوميكرون.
الأرجح أن تبقى معظم طرق الاختبار (اختبارات تفاعل البوليميريز المتسلسل PCR واختبارات المستضد السريعة) قادرة على الكشف عن أوميكرون. لقد ثبت أن وضع الكمامة والتباعد والتهوية وإجراء اختبار الكشف والعزل والحجر الصحي والتحصين كلها تحد من انتقال الفيروس. إذ يمكن أن يؤدي الالتزام بكل هذه التدابير معاً إلى السيطرة على انتشار أوميكرون، وتقليل الاستشفاء وإصابات كوفيد الطويل وتخفيف العبء عن نظام الخدمات الصحية الوطني، من دون الحاجة إلى الإغلاق والحظر.
بغض النظر من المهم أن نتذكر أن أوميكرون لن يكون المتحور الأخير. ما دامت الإصابة بعدوى كوفيد-19 مستمرة حول العالم، فسوف يستمر الفيروس في التطور. ومن ثمّ، تبرز الحاجة إلى مواصلة اتخاذ الاحتياطات مع ضمان توافر اللقاحات على المستوى العالمي.